لا يختلف النحاة في أنَّهم اعتمدوا على المسموعِ من الكلامِ الفصيحِ في العربيةِ، كالقرآنِ الكريمِ، والشعرِ، وما هو متداول على ألسنةِ العربِ الفصحاءِ في حياتهمِ اليوميةِ. ولكنهم اختلفوا في طريقةِ فهمهمِ لنصوصِ هذه المصادر، وكيفيةِ إبرامِ كل واحد من النحاةِ القاعدةِ النحويَّةِ، أو إبرامها لدى كل مدرسةٍ من المدارسِ النحويةِ. وعلى ذلك، فإنَّ هذه الدراسة تتمثلُ في كيفيةِ إبرامِ سيبويه القاعدة النحوية، بالاعتمادِ على الأصولِ، وخصائصهِ المنهجيةِ في ذلك. وقد جاءت هذه الدراسة على النحو الذي يبينُ كيفيةَ إبرامِ الحكمِ النحويِّ عند سيبويه مصادرهِ وتفسيراتهِ. تهدفُ الدراسة إلى الوقوفِ على كيفيةِ تعامل سيبويه مع الأصولِ عند إبرامِ الحكمِ النحويِّ، وهذا يتضمنُ التوصلَ إلى معرفةِ كيفيةِ تعاملهِ مع الشواهدِ القرآنيةِ في القراءاتِ المتواترةِ, وكيفية تعاملهِ مع الشواهدِ في القراءاتِ الشاذةِ, وكيفيةِ تعاملهِ مع الشواهدِ الشعريّةِ, وكيفيةِ تعاملهِ مع المسموعِ من كلامِ العربِ في الحياةِ اليوميَّةِ, والقياس عند إبرامِ الحكمِ النحويِّ. وهذا يتضمنُ البحثَ التفصيليّ عن أنواعِ القياسِ عند سيبويه, ومنهج سيبويه بين الاستقراءِ والاستنباطِ في إبرامِ الحكمِ. واعتمدت الدراسة المنهج الوصفي التحليلي، الذي يقوم على وصف المادة المدروسة، ثم تحليلها إلى أدقِّ تفاصيلها تحليلاً يصل بالدارس إلى نتائج مفيدة. وتوصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج أهمها: 1- كان سيبويه يبني الحكم النحويّ معتمدًا على توجيهات شيوخه وتفسيراتهم، التي يوضح من خلاله التصور الذي انتهى إليه في بناء الحكم النحويّ. 2- أسَّسَ سيبويه كتابه على علم دقيق في النقل عن العرب, واستقصاء عن اللغات من كلام العرب, واعتمد على منهج القارئ الذي ينقل فيه واقعية النص المحكية من حيث اللغة. 3- كان سيبويه يستنبط من خلال القياس بأنواعه الحكم النحويّ, ويطبقه على الحالات المشابهة, ويكون أحيانًا من خلال العلة أو من خلال الشبه, أو الطرد أو النظير, أو الضد. 4- اعتمد سيبويه في استنباط أحكام النحو على السماع من كلام العرب الفصيح, وبعد استقرائه بجميع أنواعه وصولا إلى الحكم النحوي, وصياغته ليصبح قاعدة تحكم الكلام.